الجمعة، 4 مارس 2011

اسأل لماذا.. قبل أن تقطع رأس السمكة??



تساءلت الفتاة عن سرّ قطع رأس وذيل السمكة قبل طهوها

كنت أستمع ذات مرة إلى الدكتور إبراهيم الفقي وهو يحكي حكاية حازت إعجابي بشدة؛ بل لا أكذبكم القول إذا قلت إنها أصبحت سبباً في تعديل كثير من موازين حكمي على الأمور وعلى الحياة.


تحكي أحداث الواقعة عن إحدى الفتيات التي تناولت الغداء عند صديقتها، وأعجبها طبق السمك المقلي، الذي كان الطبق الرئيسي على المائدة؛ فأصرت أن تعرف من صديقتها طريقة عمله بالتفصيل، حتى تعيد هي عمله بمفردها.. فاصطحبتها صديقتها للمطبخ، وبدأت معها من الصفر حتى وصلت لمرحلة قلي السمكة؛ فقطعت رأسها وذيلها، ووضعتها في المقلاة.. وهنا تساءلت الفتاة عن سرّ قطعها للرأس والذيل قبل القلي؛ فأظهرت الصديقة عجزها عن فهم ذلك السرّ الذي تلقّته من والدتها هكذا مباشرة.


لكن الفتاة أصرّت أن تعرف حقيقة ذلك؛ فربما يكون له تأثير على طهو السمكة أو نكهتها أو تماسكها... إلخ؛ فما كان من الصديقة إلا أن أخذتها إلى والدتها، وسألا معاً الوالدة عن سرّ قطع الرأس والذيل.. ومرة أخرى كررت الأم جهل ابنتها بهذا السر الذي أخذته هي أيضا مباشرة من والدتها.


لكن الفتاة لم تقف عند عجز صديقتها وأمها، وأصرّت على الاتصال بالجدة لتعرف سر قطع الرأس والذيل.. وأخيراً تكشّف الأمر لما قالت الجدة بكل عفوية: ليس هناك سر ولا غيره، كل ما في الأمر أن مقلاتنا كانت صغيرة لا تكفي لوضع السمكة بالكامل فيها؛ فكنا نقطع الرأس والذيل!!


كذلك نحن يا أصدقائي، وكذلك كان مَن قبلنا، وكذلك سيكون الكثير ممن يأتون بعدنا، وهي أنهم يأخذون ما ورثوه من معتقدات وأفكار كمسلّمات، يصعب التشكيك فيها أو الخروج عليها، أو حتى إعادة التفكير فيها، وفي حقيقتها وفي مواءمتها للواقع وللحياة الآن؛ سواء كانت هذه المعتقدات معتمدة على وقائع، أو تجارب، أو خرافات تناقلها الأجداد والآباء.. أليست هذه هي الحقيقة؟


سمعت ذات مرة حواراً بين أم وابنتها التي على وشك الولادة، توصيها بقائمة من الوصايا التي لا يجوز لها فعلها أو التعرّض لها بعد الوضع مباشرة، وكان منها أن تمنع زوجها حلاقة ذقنه والدخول عليها في غرفتها؛ لأن في ذلك إيذاناً بانقطاع نسلها تماماً!


فأي علاقة لحلاقة ذقن الرجل بإنجاب المرأة أو عقمها؟!


لا أنكر أن خبرات السابقين وتجاربهم لا بد من الاستفادة منها، وأن في تجارب السابقين حماية لنا من تكرار أخطائهم، وأن في الكثير منها حكمة وصلاحاً لأمور حياتنا؛ لكن لا مانع أبداً من أن نسأل ونفكّر فيما نتعرض له وما نأخذه، لا أن نتناوله كما هو على علّاته، خائفين من مجرد التفكير فيه، ومغمضين أعيننا عما يتعارض منه مع العقل والمنطق والعلم.


فمثل هذا ما وقع فيه الجاحدون لرسالة أنبيائهم؛ حينما امتنعوا عن سماع دعوة الرسل وعرضها على العقل والمنطق؛ بحجة أنها تخالف ما كان عليه آباؤهم وأجدادهم، وما كان منهم إلا أن قالوا {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}.


وها هو الزمان يعيد نفسه حينما نرث عن أسلافنا كل معتقداتهم المجتمعية والدينية والإنسانية دون تفكير فيها؛ مثل: قداسة كليات القمة والثانوية العامة، وننسى أن نجاح المرء مرهون بعمله أياً كان هو، نجاحه فقط يتوقف على اختياره وتوفيق ربه، وليس كما هو موروث أن من لا يكون خريج كلية من كليات القمة لا يعمل ولا يجد قوت يومه.


نتّبع هذا الإرث الذي يقول بأن الغرب أفضل منا، وأنهم متقدمون عنا بألف سنة، ولن نستطيع اللحاق بهم مهما حاولنا!


ونتّبع هذا الإرث في الزواج والمهور ومواصفات الزوجين التي يجب أن تُرضي الآباء والأهل من العائلتين حتى لو لم توافق العقل، ولم تكن جوهرية في إقامة حياة، ولا ما نخطط له ونحلم به، بل ربما تكون وبالاً على أصحابها فيما بعد.


والآن صديقي القارئ: هل تعتقد أن ما نقوله هو مسلّمات لا بد من الإيمان بها؟ أم لديك مساحة تعرضها على عقلك فتقبل أو ترفض؟
ــــــــــــ
بقلم:
عبد الرحمن الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق