الأحد، 20 فبراير 2011

الإعلام الالكتروني «صنع» الانتفاضة المصرية والمرئي والمكتوب... لحقه بارتباك

بعدما أطاح «الإعلام الجديد» - عبر أدواته الأشهر «فيسبوك» و«تويتر» - بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، هاهو يهز بقوة كرسي الرئيس المصري حسني مبارك. وإذا تشابهت «ثورة الياسمين» التونسية و «ثورة الغضب» المصرية في الأساسيات، فإنهما اختلفتا في التفاصيل. لكن أبرز نقطة تماس بين الثورتين هو انعكاس مدى فشل الأنظمة على التكيف مع هذا الواقع المعلوماتي الجديد.

وفي ظل وجهات نظر سياسية مختلفة ومتباينة حول الانتفاضة المصرية المنطلقة منذ 25 كانون الثاني (يناير) الماضي، نقل الإعلام المصري والعالمي نبض الشارع، وأفسح المجال للتعبير عن الرأي والرأي المخالف، حتى باتت وسائل الاعلام طرفاً في الصراع في شكل غير مباشر، لتنهار تدريجاً تماثيل «التعتيم الاعلامي»، و «الخطوط الحمر»، و «مصالح الدولة العليا»، و «ليس للنشر».

انطلقت الاحتجاجات المصرية الأخيرة بخروج آلاف المتظاهرين إلى ميدان التحرير بعدما نظموا تظاهراتهم عبر موقع «فيسبوك» الالكتروني الشهير، مطالبين الحكومة بعدالة اجتماعية وسياسية وحرية. هذا الحدث لم يحتل على القنوات المصرية والعالمية حيزاً يذكر في بداياته، ما عدا قناة «الجزيرة» التي أفردت ساعات عدة لتغطية التظاهرة التي أضحت ثورة مع حلول مساء 25 كانون الثاني (يناير). عندها فقط تنبّه الجميع. تغطيات مكثفة وعلى مدار الساعة مع التركيز على التطور الميداني وتطورات الموقف المصري والدولي، والتي استقطبت القنوات الإخبارية بداية من «الجزيرة» و «العربية» و «بي بي سي عربية» و «الحرة» و «فرانس 24» و «سي إن إن»... وغيرها. حتى إن بقية أخبار العالم العربي والعالمي أصبحت شبه غائبة لملاحقة تطورات المشهد المصري السريع الأحداث والتطورات. 

عدم التوازن والافتقاد إلى الحياد... تهم لاحقت القنوات الإخبارية العربية طوال أيام الانتفاضة، فهذا يرى أن «الجزيرة» و «الحرة» و «بي بي سي عربي» و «فرانس 24» تريد صب الزيت على النارمع ضيوف من المعسكر المعارض للنظام يدعون علانية إلى إثارة الفوضى، وعدم الاستقرار في العالم العربي، بينما يرى آخرون أن تغطية»العربية» كانت متوازنة في البداية عندما طرحت الرأي والرأي الآخر، إلا أن الحال تبدل مع ثالث أيام الانتفاضة. 

«الشعب يريد إسقط النظام»، و «ارحل»، و «مصر حرة»، و «ثورة حتى النصر». شعارات رفعها المتظاهرون واهتمت بها القنوات الإخبارية، وبالمثل اختارت «الجزيرة» لتغطيتها شعار «مصر تتحدث عن نفسها» بينما تصدر «مصر... الأزمة» شاشة «العربية». العلاقة بين «الجزيرة» والحكومة المصرية ليست على ما يرام منذ سنوات، إذ تصر الأولى على كشف الحقائق من تزييف، كما توضح دائماً، فيما ترى الثانية أن «الجزيرة» تتعمد إثارة الفتن ومهاجمة النظام المصري ونشر معلومات مغلوطة، وهو ما أوجد أزمات سياسية بين قطر ومصر. لذا أغلقت وزارة الإعلام المصرية مكتب «الجزيرة» في القاهرة، وسحبت تصاريح مراسليها، وأوقفت إشارة بث «الجزيرة» على القمر الصناعي المصري «نايل سات» لبعض مناطق الشرق الأوسط، لكن القناة أخرجت تردداً جديداً. وفي الوقت نفسه نصب المتظاهرون في ميدان التحرير شاشتين كبيرتين لمتابعة تغطية قناة «الجزيرة» و «الجزيرة مباشر» للاحتجاجات! 

التلفزيون المصري الرسمي أخذ حظاً وافراً من الهجوم لتجاهله تظاهرات 25 كانون الثاني (يناير) ولإصراره على إبراز البقع الهادئة من كورنيش النيل والتحرير اللذين كانا يعجّان بالاحتجاجات، فضلاً عن إعطاء مساحة من الوقت لأصوات بعض المثقفين والفنانين والسياسيين المطالبين بالتهدئة وتسليط الضوء على التظاهرات المؤيدة للرئيس مبارك، ما اضطر هؤلاء المتظاهرين إلى اللجوء إلى وسائل الإعلام الأجنبية لنشر أحداث التظاهرات وإيصال أصواتهم للشعب... حتى أن إحدى مذيعات التلفزيون المصري الرسمي استقالت، موضحة أن التلفزيون «افتقد إلى الأخلاقيات المهنية» في تغطيته للاحتجاجات الهائلة التي دعت لرحيل الرئيس حسني مبارك، وكان سبقها في الرحيل عن التلفزيون الإعلامي محمود سعد لتضامنه مع التظاهرات. إلا أنه يحسب له، محاولات ضبط الأوضاع وحث المواطنين على التزام الهدوء وإذاعة بيانات الجيش أولا بأول، إضافة إلى استقبال استغاثات المواطنين. 

وفي الصحافة المقروءة، خصصت الصحف المصرية مساحات واسعة على صدر صفحاتها الأولى للاحتجاجات في مصر، مع نقل الحدث كما تورده الوكالات ومحطات التلفزة، إذ نشرت صحف مستقلة مثل «المصري اليوم» و «الشروق»، والقومية مثل «الأهرام» و «الأخبار» و «الجمهورية» تقارير خبرية ومقالات رأي عن تطور الأحداث في مصر تأرجحت بين التأييد والمعارضة. 

وما أثار الاستغراب أن الخبر الرئيسي لجريدة «الأهرام» يوم الأربعاء 26 كانون الثاني (يناير) كان عن الاحتجاجات والتظاهرات في لبنان، واحتل خبر تلك الاحتجاجات اللبنانية حيزاً كبيراً من الصفحة الأولى، في الوقت الذي احتل خبر تظاهرة يوم الغضب مساحة أقل مصحوباً بصور للقاهرة تحترق، ولمتظاهرين يحتمون من الشرطة. كما توقفت خدمة الاشتراكات، واختفت الإعلانات من معظم الصحف، وقلّت بشدة مساحة الاخبار الرياضية والفنية والمنوعة. 

وفي تطور ملحوظ، طالب صحافيون شباب في «الأهرام» في بيان فصل سياسة تحرير الجريدة عن الدولة، وإقالة رئيس التحرير أسامة سرايا، وتبني الجريدة مطالب المتظاهرين. وكتب محمد حسنين هيكل مقالات على صفحات «الشروق» عن الأزمة، منها «سقوط خرافة الاستقرار»، و «عبور المصريين إلى عصر الشعوب الحرة». كما امتلأت الصحف البريطانية والأميركية بتغطية واسعة للتطورات، وتحليلات حول مستقبل مصر، بينما كانت المواقع الالكترونية لتلك الصحف، تتابع التطورات مباشرة، خصوصاً مع الإعلان عن تظاهرة مليونية الثلثاء في القاهرة والإسكندرية. كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية: «بينما كان المصريون متجمعين في ميدان التحرير بمئات الآلاف، يطالبون الرئيس حسني مبارك بالتنحي وترك السلطة، سلطت اثنتان من محطات التلفزيون الرسمية في البلاد كاميراتها باتجاه جسر القاهرة 020718b.jpgلتنقل مشاهد هادئة للمدينة المتوترة». وعلق الكاتب البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط روبرت فيسك في صحيفة «اندبندنت»: «ربما هذه هي النهاية. ولكنها حتماً بداية النهاية». أما محرر شؤون الشرق الأوسط إيان بلاك في صحيفة «غارديان» البريطانية قال بعد كلمة مبارك: «ركز مبارك على التنازلات الاقتصادية، والتي يُرجح أن تبقي على الدعم الحكومي لإبقاء الأسعار منخفضة، ورفع الحد الأدنى للأجور، أو خطوات للحد من البطالة. ولكن هذه الخطوات، من غير المرجح أن تخفف من الشهية الشعبية على التغيير». 

عن التغطية الإعلامية خلال أيام الانتفاضة التي لم تنته حتى الآن، يرى الصحافي محمد عبدالرحمن من مجلة «صباح الخير» أن الصحف الحكومية فقدت صدقيتها منذ زمن طويل، وبالتالي، فإن أي تغطية لها لن تكون موضوعية حتى لو حاول بعضهم إيهام القراء بذلك خصوصاً أن الصحف الحكومية في السنوات الخمس الأخيرة دخلت في نفق مظلم في ما يتعلق بسياستها التحريرية، إذ باتت تدافع عن فصيل محدد داخل النظام هو نفسه الفصيل الذي سقط في الحركة الشبابية الأخيرة. 

ويضيف: «الأفضل تقريباً بين الصحف القومية كانت جريدة «الأخبار»، لأن رئيس تحريرها ياسر رزق لم يصل إلى منصبه إلا مطلع الشهر الماضي، وهو مقرب من المؤسسة العسكرية. لهذا ركزت الجريدة على نقل مطالب الشعب الذي يحميه الجيش. وحتى لو خرجت تلك الصحف تطالب برحيل الرئيس... فلن يصدقها أحد. وأتحدى أن يكون أي من المعتصمين في ميدان التحرير قرأ أي جريدة حكومية في أي يوم من أيام الاعتصام».

وعن الصحف المستقلة، يلفت عبدالرحمن إلى أنه لا يمكن الحديث في هذا السياق إلا عن «المصري اليوم» و «الشروق». «الشروق كانت الأكثر انحيازاً للشارع، فيما لم تبرز من الصحف الحزبية إلا «الوفد» التي عادت أخيراً في شكل عملي إلى صفوف المعارضة، لكن عموماً كان تأثير الصحف المطبوعة محدوداً في ما يحدث». وعن التغطية التلفزيونية، يقول: «بالنسبة إلى التلفزيون المصري الرسمي لم يكن أداؤه مفاجئاً لكن كان مستفزاً، حتى أطلق عليه الكثيرون شعار «الكذب حصري على التلفزيون المصري». لكنه يرى أن القنوات المصرية الخاصة «وقفت كلها إلى جانب النظام، مع اختلاف المساحات واختلاف الإعلاميين على القناة ذاتها. فمثلاً في قناة «دريم» كانت تغطية منى الشاذلي أكثر انحيازاً للشارع من تغطية خالد الغندور. أعتقد أن أكثر القنوات انحيازاً للنظام كانت قناة «المحور»، إذ استخدمت عدة وسائل من بينها استضافة من قالوا إنهم جندوا منذ فترة في مجموعات هدفها هدم استقرار البلاد. أما القنوات الإخبارية فكانت تستند إلى مواقف سياسية ماعدا «بي بي سي العربية» بينما تتعمد قناة «الجزيرة» المبالغة في الكثير من الاخبار، لكنها في الوقت ذاته كانت الأكثر قدرة على نقل ما يحدث في الميدان، لأن ليس من المعقول أن يشاهد الناس صوراً خالية في الشارع على شاشة التلفزيون المصري ويصدقون هذا». وأشارت وسائل إعلام عربية ودولية عدة منها قنوات «بي بي سي» و «الحرة» و «العربية» و «ايه بي سي نيوز» و «الجزيرة» و «فوكس نيوز»، وصحيفة «واشنطن بوست» لتعرض طواقهما لاعتداءات إما من قوات الشرطة أو البلطجية. لكن رئاسة الوزراء المصرية أكدت حماية الطواقم وإفساح المجال لهم للعمل بحرية. 

ويرى الصحافي في جريدة «الشروق» أحمد عدلي ان من الطبيعي ان يتعرض الصحافيون إلى بعض العقبات خلال تغطية التظاهرات إما من قبل الجهات الأمنية، أو البلطجية، أوالمتظاهرين وأحياناً من اللجان الشعبية. «فمثلاً جرى تسليمي إلى الجيش لمجرد أن وجدت اللجان الشعبية معي ورقاً مكتوباً على أحد وجهيه نقاط عن الانترنت. والشباب لم يتركوني حتى أقنعتهم أنني صحافي وأن هذا الورق قديم أستخدمه للكتابة على الوجه الآخر عن عملي الصحافي في ميدان التحرير. أما معاملة الجيش للصحافيين فهي راقية جداً وتتيح للصحافيين حرية العمل، وهو يطلب فقط الاطلاع على هويتك الشخصية للتأكد من شخصيتك، فضلاً عن منع الوجود في نقطة معينة أمام مجلس الوزراء المصري، حيث يتواجد البلطجية والصحافيون الذين لا يحملون بطاقات هوية. الشرطة تعاملت بعنف شديد مع الإعلام يومي 25 كانون الثاني (يناير) و28 كانون الثاني (يناير). أما المتظاهرون فهم على دراية كاملة بما يدور في الإعلام، حيث يحصلون على الجرائد للاطلاع عليها، خصوصاً «المصري اليوم» و «الشروق»، فيما الصحف القومية شبه مختفية، ويتعامل المتظاهرون مع الصحافي وفقاً للجريدة التي يعمل لها ويتناقشون عادة معه عما كتب عنهم أو ضدهم. كما توجد إذاعة داخلية في الميدان تسمى «سنترال الإذاعة»، تنقل للمتظاهرين ما تبثه وسائل الإعلام وآخر الأخبار وتصريحات المسؤولين، وكيفية الرد عليهم. بعض مصوري وكالات الأنباء لم يسمح لهم بتصوير كل ما يحدث من قبل المتظاهرين الذين لا يعرف إن كانوا موالين أو معارضة. بعد الثورة هناك حرية أكبر في الحركة إلا أن الأمان قل». 

أما موفد قناة «الحرة» إلى القاهرة أكرم خزام فقد فاجأه اطلاع المتظاهرين الدقيق لما يتناوله الإعلام عن انتفاضتهم, «لم ألق أي صعوبات في التغطية من ميدان التحرير أو كورنيش النيل من قبل المتظاهرين أو الجيش إلا أن الهاجس الخطير كان انتشار البلطجية في الفترة الأخيرة وهجومها على مكاتب وسائل الإعلام العربية والأجنبية في شكل فج، حتى إن الزملاء نصحوني بعدم النزول إلى الشارع لأن اسمي على قوائم استهداف هؤلاء البلطجية التابعين لـ «حيتان المال». 

ويشدد خزام على أن الواجب 020719b.jpgالمهني أحياناً يطغى على الاختيار الشخصي، خصوصاً في مثل اللحظات التاريخية، ويقول: «أفضل الاستمرار في العمل في أصعب الظروف، إلا أن من لا يستطيع ذلك لا يجب اتهامه بالتقاعس أو الخوف أو الجبن». ويشدد على أنه لم يتلق أي تعليمات بخصوص ما يجب تغطيته. ويقول: «كنت أتصور أن لا أمل في التغيير إلا أن الشباب المصري هزمني وأكد عكس ذلك». 

وفي محاولة لقطع دابر التواصل بين الشباب المتظاهرين، اتخذ النظام المصري خطوة مؤلمة بقطع خدمات الإنترنت وخدمات الموبايل في مناطق مهمة من مصر، حيث مثلت مواقع مثل «تويتر» و«فيسبوك» آلات تعبئة ضد الفساد والظلم في غضون أشهر حتى بات كل مستخدم صحافي ومراسل وثائر ينقل الأحداث من الولاية والمدينة التي يسكن فيها، على شكل أخبار عاجلة مرفقة بالصور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق